"الغارديان": الاقتصاد الأمريكي في عهد ترامب يدفع المواطنين لإعادة النظر في قراراتهم المصيرية
"الغارديان": الاقتصاد الأمريكي في عهد ترامب يدفع المواطنين لإعادة النظر في قراراتهم المصيرية
كشف استطلاع جديد أجرته صحيفة "الغارديان" البريطانية بالتعاون مع مؤسسة هاريس بول، أن الأوضاع الاقتصادية المتقلبة في الأشهر الأولى من رئاسة دونالد ترامب دفعت العديد من الأمريكيين إلى إعادة التفكير في محطات حياتهم الكبرى، مثل الزواج، وإنجاب الأطفال، وشراء المنازل.
ووفقًا لنتائج الاستطلاع المنشورة اليوم الاثنين، أشار 60% من المشاركين إلى أن الوضع الاقتصادي أثّر سلبًا على هدف واحد على الأقل من أهداف حياتهم، إما بسبب غلاء المعيشة أو القلق بشأن المستقبل المالي.
تداعيات الرسوم الجمركية
ورغم أن سياسة الرسوم الجمركية التي تبنتها إدارة ترامب لم تُنفذ سوى منذ فترة وجيزة، وأُجّلت بعض القرارات الاقتصادية الأخرى، فإن نتائج الاستطلاع تعكس مخاوف من تأثيرات طويلة الأمد لسياساته المالية.
فعلى سبيل المثال، رغم تقديم الحكومة حوافز مالية مثل مكافأة 5000 دولار لكل أم جديدة في محاولة لتشجيع الإنجاب، إلا أن هذه المبادرة لم تنجح في طمأنة المواطنين؛ إذ عبّر 65% من الأمريكيين الذين كانوا يخططون لإنجاب أطفال خلال 2025 عن تأثير الأوضاع الاقتصادية سلبًا على قرارهم، سواء بسبب تكاليف الإنجاب المرتفعة (32%) أو شعورهم بعدم الأمان المالي (33%).
تكلفة المعيشة
كما أبدى عدد كبير من المشاركين رغبتهم في اتخاذ قرارات مالية مهمة: 45% أرادوا إجراء عمليات شراء كبيرة، مثل شراء سيارة أو أجهزة منزلية، في حين أعرب 42% عن رغبتهم في امتلاك منزل، لكن 75% من هؤلاء قالوا إن الوضع الاقتصادي الحالي يمنعهم من تحقيق هذا الهدف.
وبينما ظل امتلاك منزل أحد رموز "الحلم الأمريكي"، إلا أن هذا الحلم أصبح بعيد المنال للعديد من الأمريكيين، فقد شهدت أسعار المساكن قفزات حادة منذ تفشي الجائحة، بالتزامن مع انخفاض معدلات الفائدة إلى مستويات تاريخية متدنية، واستمرت الأسعار في الارتفاع رغم ارتفاع معدلات الفائدة مؤخرًا، حيث بلغ متوسط الفائدة على الرهن العقاري لمدة 30 عامًا نحو 6.7% في مارس 2025، أي ما يعادل ضعف المعدل المسجّل قبل أربع سنوات.
وأظهرت نتائج الاستطلاع أن الشباب الأمريكيين، لا سيما من "جيل زد" وجيل الألفية، هم الأكثر تأثرًا بهذه الظروف، كونهم أقل حظًا في امتلاك منازل أو بدء حياة زوجية مقارنة بالأجيال الأكبر سنًا.
من جهة أخرى، أشار 65% من الأمريكيين إلى أن تكلفة المعيشة أصبحت أكثر صعوبة منذ بداية العام، بينما ذكر نصف المشاركين أنهم يواجهون صعوبة في تغطية نفقاتهم الأساسية.
ولاحظ 78% من المستطلَعة آراؤهم ارتفاعًا واضحًا في أسعار المواد الغذائية، و60% أكدوا أنهم شعروا بزيادة في فواتير الخدمات والاحتياجات اليومية.
وفي حين أقر 48% من الجمهوريين بزيادة تكلفة المعيشة، بدوا أكثر تفاؤلًا حيال الوضع الاقتصادي مقارنة بالفترة التي تولى فيها جو بايدن الرئاسة، فعندما سُئلوا في مايو الماضي عن وجود ركود اقتصادي، أجاب 67% من الجمهوريين بالإيجاب، لكن النسبة تراجعت إلى 40% هذا العام. في المقابل، ارتفعت نسبة الديمقراطيين الذين يعتقدون بوجود ركود من 49% إلى 59% خلال الفترة نفسها.
اللافت أن المستقلين، الذين يُعدّون شريحة حاسمة انتخابيًا، أبدوا قلقًا مشابهًا للديمقراطيين، إذ رأى 64% منهم أن الاقتصاد يسير في اتجاه سلبي.
وفيما روّج ترامب أن الرسوم الجمركية "ستجعل أميركا ثرية مرة أخرى"، أظهرت نتائج الاستطلاع أن عددًا قليلاً من الأمريكيين يقتنع بذلك، فقد تصدّرت الرسوم الجمركية قائمة العوامل التي يعتقد الأميركيون أنها قد تُلحق ضررًا مباشرًا بأوضاعهم المالية في عام 2025، بنسبة بلغت 29% من المشاركين، شملت 39% من الديمقراطيين، و28% من المستقلين، و21% من الجمهوريين.
كما أعرب 20% من المشاركين عن قلقهم من السياسات الحكومية الأخرى.
أُجري هذا الاستطلاع عبر الإنترنت داخل الولايات المتحدة في الفترة من 24 إلى 26 أبريل 2025، وشمل عينة وطنية ممثلة مكونة من 2102 شخص بالغ.
تقلبات الاقتصاد الأمريكي
يذكر أن الاقتصاد الأمريكي خلال فترة رئاسة دونالد ترامب الثانية تقلبات حادة أثّرت بشكل مباشر على حياة المواطنين اليومية، وعلى الرغم من تعافي الولايات المتحدة تدريجيًا من تداعيات جائحة كوفيد-19، فإن السياسات الاقتصادية المتبعة، لا سيما الرسوم الجمركية التي فرضتها الإدارة على الواردات، ساهمت في زيادة الأسعار وارتفاع تكاليف المعيشة.
تفاقمت الأزمة مع استمرار ارتفاع أسعار السكن، حيث ظلت أسعار المنازل مرتفعة نتيجة الطلب الكبير خلال الجائحة، بينما بقيت معدلات الفائدة على الرهن العقاري أعلى من مستويات ما قبل 2020، كما أدى التضخم وارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة إلى تآكل القوة الشرائية للمواطنين، ما جعل الكثيرين يعيدون النظر في قرارات حياتية كبرى مثل الزواج، والإنجاب، أو شراء منزل.
رغم محاولات الحكومة تحفيز النمو، بما في ذلك منح مالية للأسر، فإن التأثيرات كانت محدودة في ظل المخاوف المتزايدة بشأن الاستقرار المالي والقدرة على تلبية الاحتياجات الأساسية. ومع تباين وجهات النظر الحزبية حول الوضع الاقتصادي، ظل المواطن الأميركي العادي يواجه ضغوطًا مالية متصاعدة.